“الطنبورة” عندما يغني ويرقص شيخ في الثمانين على أنغام السمسمية

صورة

مساء كل يوم أربعاء تجتمع فرقة الطنبورة على شاطئ بورفؤاد، لتلتقي أصدقائها المخلصين وأصدقائها الجدد الذين يفدون إليها من مصر وخارجها. الفرقة التي أسسها زكريا إبراهيم المولود في بورسعيد، والتي هاجر منها بعد حرب 67، لينضم وهو في الثامنة عشرة من عمره إلى فرقة تعزف السمسية وألحان الحنين للبلد المهجر. نجح في نهاية عام 1988 في جمع فرقة (الطنبورة) التي أخذت اسمها من آلة فرعونية قديمة، لا تزال الفرقة تستخدمها في عزف ألحانها الشجية، صار عمرها اليوم 23 سنة، وتضم أعضاء تتراوح أعمارهم بين الــ 23 سنة والــ 80 سنة. وثقت الفرقة معظم أغاني الضمة والأغنيات الوطنية وأغاني السمسمية، وأصدرت خمسة ألبومات كان آخرها (أصحاب البمبوطي) عام 2009، وفي جعبتهم 20 ساعة من الأغاني التراثية القديمة.

اختار زكريا ابراهيم أن يكون له دور في الحفاظ على الموروث الشعبي البورسعيدي، وبدأ رحلة البحث عن حفظة التراث من كبار السن قبل أن يغيبهم القدر، ومحاولة البحث عن قدامى الفنانين والموسيقيين من حفظة التراث الشعبي. “كان من الصعوبة بمكان إقناع كبار السن الذين توقفوا عن ممارسة الطقوس التراثية نتيجة تغير الأحوال الاجتماعية بجدية المشروع”، يقول إبراهيم. إلا أن إصراره جمع عدداً منهم، وإن تغيرت عاداتهم في الجلوس في الحواري، وغناء الضمة التي تضم الناس مع بعضها في الشارع، ليغنوا في لحظات عفوية، وأعاد الأمر إلى “سياق القيم الاجتماعية الجديدة التي تميل لكل ما هو تجاري، وإن حمل البعض منها شكل الفن الشعبي، لكن مضمونها ليس شعبي على الاطلاق، بقدر ما يهدف للربح”.

ونجح في نهاية العام 1988 في جمع الفرقة، التي تدخل هذه السنة عامها الثالث والعشرين، وفي رصيدها أكثر من 20 ساعة من الأغاني التراثية القديمة، وتضم حالياً 17 عضو، أصغرهم في الــ 23 من العمر وأكبرهم 80 سنة. توفي خلال العشرين سنة الماضية عدد من الأعضاء المؤسسين والحفظة، لذا عمد زكريا ابراهيم لتأسيس مدرسة للبراعم من 6-16 سنة يتعلمون فيها العزف والغناء، لنقل التراث إلى الجيل الجديد ويشرف عليها محسن العشري، أحد أعضاء الفرقة.

تغني الفرقة نوعين من الأغاني هما الضمة والسمسمية، وتعتبر الضمة أقدم من السمسمية بالنسبة لبورسعيد، وهي عبارة عن توليفة بين الأغاني الصوفية القديمة وأغاني العشق التي راجت بدايات القرن العشرين مع ظهور الغرامافون، وبالتحديد مع شركة باروخ التي أدخلت الغرامافون إلى مصر، وصار موجودا في بعض المقاهي من خلال اسطوانات ومؤلفين وملحنين محترفين، يقول ابراهيم. أما السمسيمة فدخلت بورسعيد في فترة متأخرة، وهناك قول شائع أنها انتقلت إلى بورسعيد خلال حفر القنال، الأمر الذي ينفيه زكريا لأن من أحضر السمسمية من السويس عازف اسمه عبدالله كبربر عام 1938، وكان ذلك أول ظهور للسمسمية في بور سعيد، ولما وصل عبد الله كبربر بورسعيد مع آلته برفقة أغاني السمسمية التي كانت تغنى في السويس، لم يتقبل الناس اندماج السمسية والضمة التي كانت تقال في الشارع، نتجية أصولها الصوفية، وكان صحفجية الضمة يرفضون مشاركة المسمسمية في جلساتهم، على اعتبار أن السمسمية مرتبطة بالمقاهي،  وأغاني الضمة فيها عربية فصحى مخلوطة بالعامية، وتحمل أبعاداً صوفية دينية، وكانت خليطاً بين الأداء الديني الصوفي والأداء الاحتفالي، وتمارس في المناسبات الاجتماعية كالزواج والطهور والحج، وأكثر شعبية، يضيف ابراهيم.

وعند سؤاله عن الأصل التاريخي لآلة الطنبورة المستخدمة في أداء الفرقة، يحيلك مباشرة إلى المتحف المصري الموجود بميدان التحرير والحجرة 34، التي تضم نسختين أصيلتين عمرهما يزيد عن 4 آلاف سنة، وعن استخدام الآلتين يقول زكريا السمسسية استخدمت في البحر، ومرتبطة بالصيادين والفرح، فيما تستخدم الطنبورة في الأداء الطقسي الفرعوني، وخصوصاً يوم الأربعين بعد وفاة الميت، لتسهيل عملية رجوعه إلى الحياة. وفي العصر الحديث عرفت مصر الطنبورة السودانية وتحديدا عام 1828 بعدما أرسل محمد علي ابنه ابراهيم إلى السودان.

وتتمسك الفرقة بإحياء مناسبات تراثية منها ليلة شم النسيم، وهو تقليد بورسعيدي منذ 1920، قام الناس وقتها بحرق دمية من القش تمثل الضابط الانلكيزي اللورد الليمبي في ما يطلق عليه اسم (السحر التشاكلي) المستخدم في موروث عدد من الشعوب الأخرى، وفي 23 ديسمبر عيد النصر على العدوان الثلاثي عام 1956، بعد تأميم قناة السويس، الذي كان يحضره الرئيس الراحل عبد الناصر.

رقص الرجال

يرقص الرجال رقصة البمبوطية على إيقاع أغنيات السمسمية، ويأتي الاسم من كلمة إنجليزية الأصل (مان بوت) أو رجل القارب‏، وتحرفت مان بوت إلى بمبوط‏، حيث عرفت مدن القناة هذه المهنة منذ افتتاح القنال‏ عام 1869، وتقوم على بيع السلع للمراكب القدامة للقنال.

 

مشاركات الفرقة

قدمت الفرقة عرضاً في يناير 1996 بباريس، وفي 1997بعمان وجرش وروما وفلورنسا، وفي عام 2000 حازت الفرقة على جائزة “المهرجان الدولي للأغنية والموسيقى” بكندا، وعام 2001 اشتركت الفرقة في مهرجان “ري أورينت” بالسويد ثم في باريس ، وفي عام 2002 في معهد العالم العربي ومهرجان “ربيع الفنانين” في مونبلييه، وفي مهرجان “الشتات” بقرية الموسيقى في لندن، وفي مهرجان “باماكو للفنون الشعبية” بمالي، وبمهرجاني لوسيرن بمدينة لوسيرن السويسرية ومهرجان بيروت لفرق الشوارع المقام بلبنان، وكانت آخر مشاركات الفرقة في مهرجان ووماد الذي أقيم على شاطئ كورنيش أبوظبي 2011.

 صورة

ألبومات الفرقة:

  1. 1.    (سمسمية بورسعيد) أنتجه معهد العالم العربي في باريس عام  1996 وصدر عام 1999.
  2. 2.    (نوح الحمام) من إنتاج مركز المصطبة عام 2001.
  3. 3.    (أهوى قمر) من إنتاج مركز المصطبة عام 2003.
  4. 4.    (بين الصحرا والبحر) من إنتاج مركز المصطبة عام 2006 بالشراكة مع مايكل وايت وود.
  5. 5.    (أصحاب البمبوطي) من إنتاج مركز المصطبة عام 2009 بالشراكة مع مايكل وايت وود. 

أضف تعليق