هشام زمان: أحارب جريمة الشرف بالحب  

قبل سقوط الثلج

رغم لغته العربية الجيدة لكن اللقاء يدور بالإنكليزية، لأن لغة السينما التي درسها أكاديمياً كانت الانكليزية لذا يفضل الحوار بها للتعبير بشكل جيد عن كيانه السينمائي. لم تكن هذه زيارته الأولى ولا مشاركته الأولى في مهرجان أبوظبي السينمائي ولا جائزته الأولى حتى. سبق له أن حصد إحدى جوائز مهرجان أبوظبي السينمائي بفيلمه القصير، ويعود مرة أخرى ليحصد جائزة مسابقة «آفاق جديدة» بفيلمه (قبل سقوط الثلج). يجول المخرج بين دول أوروبية أربعة مع بطله في رحلة على شفير هاوية. هاوية الحياة والحب. الصراع الداخلي الذي يعيشه البطل تراه في نظرة عينيه التي سرعان ما تتغير حين يصيبه سهم القلب. يغرف المخرج من سيرته الذاتية ويحمل بطله على المرور بحنين في مطارح الصبا. «أرى» التقت المخرج الكردي المقيم حالياً في النرويج على هامش مشاركته في مهرجان أبوظبي السينمائي 2013 وكان هذا الحوار.

 

عادة يفضل المخرج التعريف عن نفسه بفيلمه وأنت قدمت جديدك في مهرجان أبوظبي السينمائي 2013، لكن كيف تفضل عادة التعريف بنفسك؟

أنا شخص شغوف ولديه رغبة شديدة في رواية القصص مذ كنت طفلاً، لذا السينما جزء من حياتي. وهي جزء من رغبتي بالتنوع الثقافي لأن لي رجلاً في الشرق وأخرى في النرويج حيث أقيم. بالتالي أشبه بنفسي بحامل الأمتعة لكن الأمتعة قصص أحب أن أحكيها، وأضيف إلى هذه الذخيرة المزيد من القصص النرويجية. هذا ما أنا عليه.

 

لا تأتي موهبة القص من فراغ وأحيانا هي ذخيرة عائلية، فماذا عن خلفيتك وذخيرتك الخاصة؟

بدأت من الصفر. ولا يوجد عندي أي خلفية في الفن. ومنذ كنت صغيراً كنت شغوفاً بالسينما وطريقتها في إخبار القصص بطريقة سحرية، لكن والدي لم يشاركني هذا الرأي أبداً، وكان معارضاً لخياري هذا حيث لم يكن ينظر إلى السينما بوصفها أداة ثقافية، لكني نجحت بالذهاب لأني أمي كانت ترسلني مع أقارب إلى السينما لأستطيع مشاهدة الأفلام. لاحقاً سافرت إلى ايران وتركيا وصرت لاجئاً، واخترت أن أكون راوي القصص كي أتمكن من إظهار الحياة من خلال العدسة. لكن سبق لي العودة إلى بعض الأماكن التي زرتها في طفولتها عندما كان عمري 16 عاماً، لكن هذه المرة مع بطلي سيار الذي مر بالأماكن عينها وعبر الحدود نفسها. لم يتغير شيء مع الحدود لكني صرت صانع أخبار وراوي قصص.

 

لكن وجهات الناس تغيرت؟

طبعاً، كما دائماً. لكن بعض الأنظمة لم تتغير أبداً. وهذا ما علينا الإضاءة عليه. هناك بعض الأماكن في تركيا دمرت، والتي تناولت فيها خلفية البطلة في تركيا لم تعد موجودة بعد الآن، وهنا في فيلمي كنت أصنع تاريخاً لهذه الأمكنة الفقيرة التي كان يقطنها فقراء الأكراد، ولم تعد موجودة بعد اليوم. تحولت الأمكنة إلى مبان عملاقة، بعد طرد الناس منها. بالتالي صناعة الفيلم ليست لتسلية المشاهدين فقط، إنما لتوثيق زمننا الحاضر. لقد عشت في ذلك الزمان منذ 15 عاماً، وشاهدت حياة فقراء الأكراد في احياء اسطنبول، وكيف يعيشون حياتهم المزرية هناك. أنا أوثق هذا في فيلمي.

 

هل تعتبر نفسك جزءاً من توثيق الحكاية في فيلمك أم أنه جاء في سياق فيلمك الروائي؟

التوثيق جزء مما أفعل لأني لا أستعين بممثلين، إنما أختار أشخاصاً من الحياة ليشاركوني فيلمي. أنا أستخدم احداثاُ حقيقية، أو ربما حدثت. لا أحاول الاتكاء على صناعة الخيال لكني استخدم الأحداث الحقيقية في قالب خيالي، لكنها مستلهمة من الواقع. عندما تخبر الحقيقية يكون الموضوع صادماً للناس، لذا علي اختراع بعض الدراما وإبطاء الحدث لأني لا أنوي إيذاء مشاعر الناس، وأحرص على ترك مساحة من الأمل في قلوبهم. لا أحد يستطيع تقديم الواقع كما هو في السينما. لا أحد. لأن الواقع معقد، نحن نحاول تقديم الحياة من خلال عدسة السينما. واذا كان فيلمي يضم 50% من الواقع فأنا سعيد، لكنه لن يكون حقيقة.

 

ماذا في جعبتك كسينمائي قبل Before snow fall؟

قدمت عدداً من الأفلام القصيرة في الثمانينات، ودرست السينما في النرويج لثلاث سنوات. وقدمت فيلمي الاحترافي القصير الأول عام 2005 بعنوان (باوكه) وهو عن أب وابن سافرا إلى دولة أوروبية، ولم يرتح الوالد للإقامة هناك وكان عليه أن يأخذ قراراً صعباً لمستقبل ابنه. ومر الفيلم في العديد من المهرجانات كبرلين وأبوظبي وصن دانس وفاز بــ 40 جائزة عالمية، وكان هذا الفيلم قد فتح أمامي الباب. وبعد صنعت (winter land) 2007، (Before snow fall) 2013، وقد صنعت فيلمي الروائي الثاني (Let it to the king) وهو في مراحله الإنتاجية الأخيرة الآن.

 

استخدمت أشخاصاً عاديين في فيلمك إلى جانب ممثلين محترفين، إلى أي حد ترى من الصعوبة بمكان أن تديرهم وتلقنهم دورهم في الفيلم ليقدموا الأداء الاحترافي المنشود؟

كثير من المخرجين العالميين استخدموا غير المحترفين في أفلامهم لأنهم كانوا بحاجة لهذا الإحساس النقي الذي يحملونه، وهم لا يفكرون بالتكنيك إنما هم على طبيعتهم وشخصيتهم ظاهرة في الكاراكتر. أما أنا فاخترت ان يكونوا معي في فيلمي لأني أردت أن يتم أخذ الفيلم على محمل الجد، والاحترام، وهم على دراية بالموضوع. واخترت ألا تسبب وجوه الممثلين التباساً على الجمهور مع أفلام أخرى سبق لهم ومثلوها، لذا كان خياري أن يكونوا معي للمرة الأولى، وهذا شيء يمكن تحقيقه مع ممثلين من الحياة. إنه صعب دوماً لأنهم لا يملكون أدوات احترافية، ويجب علينا العمل معهم بجهد اكبر، لدرجة أني كنت ألقنهم العمل مشهداً تلو الآخر، وكيف يجب أن تقول هذا هنا، وكيف تتحدث هنا، لكن في الوقت نفسه كنت أعطي العمل مصداقية أكبر، فوجه مثل وجه طاهر الذي يلعب دور سيار. طاهر بريء ويقدم هذا الدور لأنه يشبه سيار مع أنه لم يغادر مدينته من قبل إلا مع الفيلم، وهو يكتشف الحياة من خلال الفيلم وتنقله مع الفيلم من بلد إلى آخر.

 

(جريمة الشرف) موضوع حساس ومرتبط بالأكراد في فيلمك لكنه موجود في المجتمع العربي أيضاً، لكن إلى أي حد يساهم تسليط الضوء كرديا على المشكلة إلى الحديث عن هذه المشكلة خصوصاً أنك عرضت في نهاية الفيلم أنه رغم كل ما حدث من مآس إلا أن شيئاً لم يتغير واستمرت دورة الحياة كما هي؟

هذه الثيمة لم يتم تتناولها كفاية في السينما، والقضية تشمل الكثير من العائلات، والحياة، والكاركتارات. وهذه ليست تجربة سهلة بالنسبة للعائلات، فلا أحد يريد أن يقتل لمجرد القتل، لكن القواعد التي أراسها مجتمع أتاح لهذا التقليد أن يعيش. وما كان مسموحاً بالنسبة لسيار من غسل لعار العائلة كان متعلقاً بدخوله مرحلة الرجولة وأنه من خلال ما سيفعل من غسل لعار العائلة سيكون رجل العائلة المتوج. الشرف محور كل الرجال ليس فقط في الشرق وليس الأكراد فقط، إنما حتى في أوروبا. كل رجل لديه هذه العلاقة بالشرف. الموضوع بحد ذاته متعلق بالدراما، ومن خلال هذا الموضوع أتحدث عن معاناة هذا الشاب الذي هو في النهاية منتج هذا المجتمع، ويدور ضمن دائرته، لكن ما أن قرر الخروج عليها حتى وجد نفسه وحيداً في الطرق وكان عليه الاختيار والقرار. لا أحد يستطيع أخذ هذا القرار، وعليه أخذ هذا القرار. في الوقت الذي كان بداية لا يعرف معنى الحب وكيف يمكن أن يشعر به، وهذا ما حدث له وهو في الطريق إلى “غسل عاره”، وهذا الشعور لدى سيار بالتعلم من الحياة، كان اختبارا لوحدته كفتى في المراهقة يفكر بالسواد.

 

بعد كم إنتاجي ونوعي سينمائي من مخرجين أكراد تناولوا قضايا مجتمعاتهم هل يمكننا الحديث عن مصطلح «سينما كردية» في الوقت الحالي؟

إنه سؤال جيد للأكراد أنفسهم. هل يمكن القول هذا فيلم ناطق بالكردية، أم سينما كردية؟. بالنسبة لي إذا أردت الحديث عن هذا الموضوع فأنا أظن أنه يوجد سينما كردية بسبب عدة نقاط ألخصها بما يلي: أولها يجب أن تكون اللغة المستخدمة في الفيلم الكردية، والنقطة الثانية التصوير في مواقع كردية بحتة تتنقل بين الجبال الكردية والحدود فهناك أماكن تصوير معينة تجعلك تحس بأنك أمام فيلم كردي. أما الأمر الثالث فهو تناول تاريخ الأكراد وسؤال من هم الأكراد، كأناس أو هوية. والرابع أن السينما الكردية تستخدم الهواة في التمثيل، ولو شاهدت فيلما كرديا مع نجم ما فربما يكون هذا مثار جدل، بالتالي السينما الكردية متعلقة بالحياة والواقع نفسه. فيما النقطة الخامسة هي كم التراجيديا الذي تضمه السينما الكردية، ولديك الشكل نفسه أن الحياة ظالمة وليست جميلة بالنسبة لهم، والبعد يعاكس شعورهم بالسعادة، وعليهم دوما الهرب والبحث عن النجاة للوصول إلى السعادة. ربما البعض لا يعتبرها كافية للحديث عن سينما كردية لكني أراها كذلك. صحيح أن السينما الكردية سينما شابة لكن لديها شخصية مميزة تبرز في المهرجانات السينمائية الكبرى وهذا حدث في وقت قصير، فتخيل لو بدأت مع السينما العريقة كالمصرية مثلاً، من المؤكد وقتها أننا كنا لنحظى بمكانة كبيرة عالمياً.

 

صحيح. دوما في الأفلام الكردية نلحظ ثيمات الجبل، الغضب، الحب، والشجن.

هناك عامل فلكلوري مهم في السينما الكردية، لكن هناك أناس يريدون تقديم سينما من نوع آخر.

 

هل حصلت على دعم كردية رسيمي لإنجاز هذا الفيلم؟

كان مبلغاً رمزياً بسيطاً من وزارة الثقافة الكردية.

 

هل تقصد كسينمائي التوثيق لكردستان الماضي خصوصاً مع الانفتاح الحالي على العالم والتغيير الكبير الذي يحصل فيها حالياً؟

أنا أظن هذا يلهم السينمائيين، نعم. وهذا ما يلهمني حالياً للعودة إلى كردستان وتصوير الأفلام. كل أفلامي السابقة صورتها في أوروبا. فيما حالياً أستطيع العودة إلى الوراء محملاً بإرث الدياسبورا الذي أعرفه جيداً.

 

مشهد تهريب سيار من كردستان عبر الحدود هل هو مقتبس من قصة الأديب الفلسطيني غسان كنفاني «رجال في الشمس» أم من حكايات التهريب الحقيقية؟

لا هذا من الواقع وقد سبق لي أن تم تهريبي بهذه الطريقة، وكثير من الناس هربوا بالطريقة نفسها. واستخدموها لأنهم لا يملكون هوية أو جواز سفر. واعتمدوها طريقة للبقاء على قيد الحياة، وفي الحقيقة لم أقرأ هذه القصة لغسان كنفاني لكني سأبحث عنها.

 

 

جائزة أبوظبي

حصد فيلم هشام زمان «قبل سقوط الثلج» في مسابقة “آفاق جديدة” لقب أفضل عمل من العالم العربي، والعمل من إنتاج العراق والنرويج وألمانيا، ويصور الفيلم التحول الداخلي لشاب راسخ في تقاليده من خلال رحلة شخصية تكتشف الإنسانية والحب وتقاطع الحضارات.

أضف تعليق